هذه قصة اتفاق التسليم والتسلّم بين الجيش والفلسطينيين
عماد مرمل
Tuesday, 24-Dec-2024 06:38

طرح تسليم «الجبهة الشعبية - القيادة العامة» وحركة «فتح الانتفاضة» مواقعهما العسكرية في البقاع إلى الجيش اللبناني تساؤلات حول دلالات هذه الخطوة وتفسيراتها في هذا التوقيت بالتحديد. فما هي القصة الحقيقية لما جرى، وفق رواية مصادر رسمية مطلعة على التفاصيل؟

من المعروف أنّ المراكز العسكرية التي شغلتها بعض الفصائل الفلسطينية في البقاع منذ العام 1982 شكّلت مادة للتجاذب السياسي في الداخل اللبناني بين مَن كان ينادي بتفكيكها وإنهاء وجودها ومَن كان يدعو إلى التروي في مقاربة هذا الملف، علماً أنّ القرار بسحب السلاح الفلسطيني خارج المخيّمات تمّ اتخاذه على طاولة الحوار الوطني عام 2006، إلّا أنّه بقي بلا تنفيذ منذ ذلك الحين.

لكن، وقبل فترة سُجّل خرق إيجابي لافت في هذا الملف، عندما تّم التفاهم بين مديرية المخابرات في الجيش ومسؤولي «القيادة العامة» على أن تبادر الأخيرة إلى إعادة أراضٍ كانت تصادرها في منطقة الناعمة إلى أصحابها اللبنانيّين، وهذا ما حصل بالفعل على أرض الواقع، الأمر الذي شكّل حافزاً لدى الطرفَين لمواصلة المسعى المشترك في اتجاه معالجة وضع «الجزر المسلحة» المتناثرة في عدد من الأماكن، خصوصاً أنّ تلك «الجزر» لم يعُد لها أي دور أو تأثير في مجرى النزاع مع العدو الإسرائيلي، بل تحوّلت عبئاً مجانياً على المناطق التي توجد فيها وعلى الدولة اللبنانية ككل.

واستناداً إلى الإنجاز الأولي الذي تحقق في الناعمة وما أطلقه من مؤشرات جديدة، استمرّت الاتصالات بعيداً من الأضواء بين اليرزة والفصائل الفلسطينية المعنية، لتطوير نموذج الناعمة واستكمال تطبيق البند الذي تمّ إقراره خلال الحوار الوطني والمتصل بنزع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات.

ولأنّه تبيّن أثناء المداولات والنقاشات أنّه يوجد لدى بعض الأوساط الفلسطينية اتجاه غير متحمّس كثيراً لتوسيع نطاق تجربة الناعمة، إلّا أنّ الفريق المرن والمتجاوب بدا أكثر اتساعاً وفعالية، فقرّر الموافقة على تعميم التجربة إلى البقاع في ضوء اقتناعه بأنّ الظروف الموضوعية والذاتية تغيّرت، وأنّ هناك تصميماً عند المؤسسة العسكرية على إقفال القضية، وهذا ما تُرجم من خلال تسلّم الجيش على نحو سلس موقع قوسايا التابع لـ«الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة»، مع الإشارة إلى أنّه موقع أساسي وذائع الصيت، حتى ارتبط اسمه بظاهرة السلاح الفلسطيني المنتشر خارج المخيّمات.

وسبق هذا التطوّر النوعي، تسلّم الجيش مراكز السلطان يعقوب في البقاع الغربي، وحُشمُش الواقع بين بلدتَي قوسايا ودير الغزال في البقاع الأوسط، والجبيلة في سهل برالياس - كفرزبد، التي كانت كلّها تحت سيطرة «القيادة العامة». كذلك، تسلّم معسكر حلوة في راشيا، والذي كان يشغله تنظيم «فتح الانتفاضة».

وفي حين تمكن الجيش من مصادرة كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر بالإضافة إلى أعتدة عسكرية كانت موجودة في تلك المواقع، أفادت المعلومات أنّ بعض السلاح المُصادَر هو قديم جداً وتسلّل إليه الصدأ إلى درجة أنّه لم يعُد صالحاً للاستعمال أو النقل، ما دفع الجيش إلى تفجير جزء منه في مكانه، ما عزّز وجهة النظر القائلة بأنّ المواقع الفلسطينية خارج المخيّمات باتت بلا وظيفة ولا جدوى، فيما غادر العناصر باللباس المدني إلى المخيمات أو المراكز السياسية العائدة إلى التنظيم الذي ينتمون إليه.

وعُلم أنّ الاتصالات مستمرة في الكواليس لطَي صفحة «نفق الناعمة» الذي لا يزال يضمّ عدداً من العناصر المسلحة، حيث من المرجح أن يسيطر عليه الجيش خلال 48 أو 72 ساعة.

أمّا على مستوى المغزى السياسي لهذه التطوّرات، فإنّ البعض ربطها بسقوط نظام بشار الأسد وانقطاع «الأوكسيجين» عن مواقع الفصائل الفلسطينية الحليفة له في البقاع، بينما وضعها البعض الآخر في سياق تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار مع الكيان الإسرائيلي والمرتكز على القرار 1701 بكل مندرجاته.

وإذا كان توقيت إخلاء تلك المواقع قد شجع على ربط الأمر بالتحولات السورية وبمفاعيل مرحلة ما بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان، غير أنّ المصادر الرسمية المواكِبة للتفاصيل تلفت إلى أنّ المفاوضات بين مخابرات الجيش و«الجبهة الشعبية - القيادة العامة» وحركة «فتح الانتفاضة» لإنهاء وجودهما المسلح خارج المخيّمات، إنّما بدأت قبل التطوّرات الأخيرة في لبنان وسوريا، وحتى أنّ الانسحاب من موقع حلوة في راشيا اكتمل عشية سقوط النظام السوري، وكذلك الحال بالنسبة إلى تسليم الأراضي في الناعمة، والذي تحقق منذ مدة طويلة، فاتحاً الباب أمام بناء الثقة وتطوير مساحة الاتفاق.

وتشدّد المصادر على أنّ السلاح خارج المخيّمات يُعالَج وفق قرار سياسي متفاهم عليه، واستناداً إلى توافق عام ينطلق بالدرجة الأولى من مقرّرات الحوار، وإن يكن لا يمكن تجاهل أثر انهيار سلطة بشار الأسد في التعجيل بتسليم المواقع الفلسطينية التي كانت موضع تفاوض مع الجيش.

الأكثر قراءة